جابر مصطفى جابر مشرف
عدد الرسائل : 239 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 10/01/2009
| موضوع: اسق حديقة فلان الأربعاء أغسطس 12, 2009 5:58 am | |
| اسق حديقة فلان نصّ الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحّى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حَرّة ، فإذا شَرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ،فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟ ، قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ ، فقال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقة فلان - لاسمك - ، فماتصنع فيها ؟ ، قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ،فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم . معاني المفردات بينا رجل : بينما رجل بفلاة : الأرض الواسعة أو الصحراء في حرة : هي الأرض التي تكثر بها الحجارة السوداء شرجة من تلك الشراج : قنوات الماء بمسحاته : أداة من أدوات الزراعة وهي المجرفة تفاصيل القصّة قد بيدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ،والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييع المدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال . تلك هي النظرة بالمقاييس المادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً آخر ، فالإنفاق وسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر الحبّة في الأرض ، سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ،يانعةً مثمرة . ولا يزال لطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ، ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته ، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع؟. وشاهد الصدق على ذلك ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُخبر عن مزارعصالح ، برزت فيه صفات الكرم وجوانب السّخاء في وقتٍ عزّت فيه معاني الجود، ليقهر الطبيعة البشريّة القائمة على الشحِّ والإمساك ويتخطّاها في سموٍّ إيمانيّ رفيع . كان هذا الرجل يسير في الصحراء ، حيث يندر الماء ويقلّ الزرع ، وبينما هو كذلك إذ سمع صوتاً يقول : " اسق حديقة فلان بن فلان ! " ، فتعجّب الرّجل لما سمعه ، فالأرض خالية من البشرّ ، ثم أدرك أن الصوت صادرٌ من السحابة التي تعلوه ، فازداد عجباً وإصراراً على استكشاف السبب . وانطلق الرّجل خلف السحابة ليعرف مستقرّها ، حتى وقفت فوق أرض تكثر عليهاالحجارة السوداء ، يُقال عنها : " الحرّة " ، ثم نزل المطر بغزارة ، وجرى الماء حتى انتهى إلى حديقة ، وفيها فلاحٌ قائم ، يوزّع الماء ويوجّهه . اتّجه الرجل إلى الفلاح وسأله عن اسمه ، فكان ذات الاسم الذي سمعه في السحابة ، وكان من الطبيعي أن يستغرب صاحب الحديقة من السؤال فبادره قائلا : " يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ " ، فقصّ عليه الرّجل ما سمعه ورآه من شأن السحابة ، ثم بيّن له عظيم شوقه لمعرفة سرّ التوفيق الإلهيّ والعناية الرّبانيّة التي حظي بها . وتأتي الإجابة لتظهر الحقيقة وتكشف الغموض ، فالحال أن صاحب الحديقة كان ينظر إلى حصاد مزرعته فيقسمه ثلاثة أجزاء : جزء يتصدّق به على الفقراء والمساكين ، وآخر يجعله قوتاً له ولعياله ، وثالث يردّه إلى الأرض . وقفات مع القصّة هذا القبس من مشكاة النبوة ، يأتي مبيّناً فضل الصدقة وقدرها عند الله سبحانه وتعالى ، كونها صورة من صور التكافل الإنسانيّ ودليلاً على يقظة الضمير ، والشعور بالواجب ، والإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، ما يزيد من لُحمة المجتمع وتماسكه . وإذا كان هذا الرّجل الصالح قد نال من خير تلك السحابة وبركاتها ، فتلك عاجل بشراه في الدنيا ، أما في الآخرة فما أعدّه الله له من ألوان الكرامةأعظم وأعظم . ومن دلالات القصّة أن الإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارةعظيمة مع الله سبحانه وتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه وتعالى على عباده المنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل الإنفاق سبباً من أسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ : ( يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك ) متفق عليه . وفي القصّة أيضاً ، الإشارة إلى قيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما اعتزل الدنيا أو تركها وراء ظهره ، ولكنّه جدّ اجتهد ، وبذل الأسباب ،وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّق بماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنال مكانتها بين الأمم .
| |
|