جابر مصطفى جابر مشرف
عدد الرسائل : 239 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 10/01/2009
| موضوع: (تابع ) تفضيل الله عز وجل بعض الأيام والشهور على بعض الجمعة أغسطس 21, 2009 6:54 pm | |
| قال بعض الناس : إن ليلة الإسراء في حق وقد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر ، وليلة القدر بالنسبة إلى الأمة أفضل من ليلة الإسراء ، فهذه الليلة في حق الأمة أفضل لهم ، وليلة الإسراء في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل له . فإن قيل : فأيهما أفضل : يوم الجمعة ، أو يوم عرفة ؟ فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة " وفيه أيضاً حديث أوس بن أوس "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة " . قيل : قد ذهب بعض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة ، محتجاً بهذا الحديث ، وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر ، والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر ، وليلة الجمعة ، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة . أحدها : اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام . الثاني : أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة ، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع . الثالث : موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . الرابع : أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة ، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة ، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه . الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد ، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة ،ولذلك كره لمن بعرفة صومه ، وفي النسائي عن أبي هريرة قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة " ، وفي إسناده نظر ، فإن مهدي بن حرب العبدي ليس بمعروف ، ومداره عليه ، ولكن ثبت في الصحيح من حديث أم الفضل " أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن ، وهو واقف على بعيره بعرفة ، فشربه " . وقد اختلف في حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة ، فقالت طائفة : ليتقوى على الدعاء ، وهذا هو قول الخرقي وغيره ، وقال غيرهم - منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - : الحكمة فيه أنه عيد لأهل عرفة ، فلا يستحب صومه لهم ، قال : والدليل عليه الحديث الذي في السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام " . قال شيخنا : وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة ، لاجتماعهم فيه ، بخلاف أهل الأمصار ، فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر ، فكان هو العيد في حقهم ، والمقصود أنه إذا اتفق يوم عرفة ، ويوم جمعة ، فقد اتفق عيدان معاً . السادس : أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين ، وإتمام نعمته عليهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال : جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه ، لاتخذناه عيداً ، قال : أي آية ؟ قال : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " [ المائدة : 3 ] فقال عمر بن الخطاب : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة ، ونحن واقفون معه بعرفة . السابع : أنه موافق ليوم الجمع الأكبر ، والموقف الأعظم يوم القيامة ، فإن القيامة تقوم يوم الجمعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه " ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى لعباده يوماً يجتمعون فيه ، فيذكرون المبدأ والمعاد ، والجنة والنار ، وادخر الله تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة ، إذ فيه كان المبدأ ، وفيه المعاد ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره سورتي ( السجدة ) و ( هل أتى على الإنسان ) لاشتمالهما على ما كان وما يكون في هذا اليوم ، من خلق آدم ، وذكر المبدإ والمعاد ، ودخول الجنة والنار ، فكان يذكر الأمة في هذا اليوم بما كان فيه وما يكون ، فهكذا يتذكر الإنسان بأعظم مواقف الدنيا - وهو يوم عرفة - الموقف الأعظم بين يدي الرب سبحانه في هذا اليوم بعينه ، ولا يتنصف حتى يستقر أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم . الثامن : أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة ، وليلة الجمعة ، أكثر منها في سائر الأيام ، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته ، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل ، عجل الله عقوبته ولم يمهله ، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب ، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله ، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام ، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره . التاسع : أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ، وهو اليوم الذي يجمع فيه أهل الجنة في واد أفيح ، وينصب لهم منابر من لؤلؤ ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من زبرجد وياقوت على كثبان المسك ، فينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ، ويتجلى لهم ،فيرونه عياناً ويكون أسرعهم موافاة أعجلهم رواحاً إلى المسجد ، وأقربهم منه أقربهم من الإمام ، فأهل الجنة مشتاقون إلى يوم المزيد فيها لما ينالون فيه من الكرامة ، وهو يوم جمعة ، فإذا وافق يوم عرفة ، كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره . العاشر : أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف ،ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ، أشهدكم أني قد غفرت لهم وتحصل مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعة الإجابة التي لا يرد فيها سائلاً يسأل خيراً فيقربون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة ، ويقرب منهم تعالى نوعين من القرب ،أحدهما : قرب الإجابة المحققة في تلك الساعة ، والثاني : قربه الخاص من أهل عرفة ،ومباهاته بهم ملائكته ، فتستشعر قلوب أهل الإيمان هذه الأمور ، فتزداد قوة إلى قوتها ، وفرحاً وسروراً وابتهاجاً ورجاء لفضل ربها وكرمه ، فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها . وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة ، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم .
| |
|