ناهل السيد
عدد الرسائل : 1837 العمر : 63 تاريخ التسجيل : 24/07/2009
| موضوع: بلاغة /اسلوب الاستفام والتمنى *** الأربعاء فبراير 11, 2015 4:23 am | |
| Vc/s1600/21e95b10.gif" /> القسم الثاني: ما يُستَفْهَمُ به عن التصديق فقد وهو لفظ "هَلْ" وهو حرفٌ أيضًا، لا يكونُ محلُّ من الإِعراب في الجملة. القسم الثالث: ما يُسْتَفهَمُ به عن التَّصَوُّر فقط، وهي سائر أدوات الاستفهام، وهذه جميعُها أسماء، وهي: "مَا - مَنْ - أَيُّ - كَمْ - كَيْفَ - أَيْنَ - أَنَّى - مَتَى - أَيَّانَ". التّصوّر: هو إدْراكُ المفرد، ويُطْلَبُ بالاستفهام عن التصّور إدْراكُ المسند إليه، أو إدْراكُ المسند، لتعيينه، ويكونُ الجوابُ بتعيينِ المسؤول عنه، مُسْندًا كان أو مُسندًا إليه. مثل: * أضَرَبَ خالدٌ أَمْ أكل؟ والجواب: ضرب - أو - أَكل. * أضُرِبَ زَيْدٌ أم عَمْروٌ؟ والجواب: عَمْرو - أو - زَيْدٌ. * متى يُفْطِرُ الصّائم؟ والجواب: إذا غربتِ الشمس. التصديق: هو إدْراك النسبة الحكميّة بين المسند والْمُسْنَد إليه، موجبةً كانت أو سالبة. مثل: * هل بُعِثَ خَاتم المرسلين؟ والجواب: نعم، بُعِث. * هل ظهر المسيح الدجال؟ والجواب: لا، لم يظهر بَعْدُ. ولكلّ أداة من أدوات الاستفهام صفاتٌ وخصائص، وفيما يلي بيان ذلك إن شاء الله. خروج الاستفهام عن أصل دلالته إلى معنى أخرى: كثيرًا ما يخرج الاستفهام عن إرادة طلب الإِفْهامِ والإِعلام إلى معانٍ أخرى أشار إليها به، ويُسْتَدَلُّ علَيْهَا مِنْ قرائِنِ الحال أو قرائن المقال، إذْ يَسْتَغْنِي الْبُلَغاء بعبارات الاستفهام عن ذكر الألفاظ الدّالة دلالةً صَريحةً على مَا يُريدون التَّعْبيرَ عَنْهُ منَ المعَاني، وبلاغةُ الدّلالة على هذه المعاني بأسْلُوبِ الاسْتفهام آتيةٌ من التعبير عنها بصورة غير مباشرة وهيَ دلالاتٌ تُتَصيَّدُ بالذكاء. قال شمس الدين ابن الصائغ في كتابه "روض الأفْهام في أقسام استفهام": "وقد توسعت العرب، فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعانٍ، أو أشربته تلك المعاني". وقد أحصى البلاغيّون معاني كثيرة خرج إليه الاستفهام عن حقيقته، إذْ تَنَبَّهُوا إليها لدى دراسة مُخْتَلِف النصوص، وهي ما يلي: "1- الإِنكار 2- التوبيخ 3- التقرير 4- التعجّب أو التعجيب 5- العتاب 6- التذكير 7- الافتخار 8- التفخيم والتعظيم 9- التهويل والتخويف 10- التسهيل والتخفيف 11- التهديد والوعيد 12- التكثير 13- التسوية 14- الأمر 15- التنبيه 16- الترغيب 17- النهي 18- الدعاء 19- الاسترشاد 20- التَّمنّي والترجّي 21- الاستبطاء 22- العرض 23- التحضيض 24- التجاهل 25- التحقير والاستهانة 26- المدح والذّم 27- الاكتفاء 28- الاستبعاد 29- الإِيناس 30- التهكّم والسخرية 31- الإِخبار 32- التأكيد" إلى غير ذلك من معادنٍ. أقول: من طبيعة الإِنسان إذا لم يُرِد التصريح بالمعنى الذي يَقْصِده، فإنّه يتّخذ للإِشعار به أسلوبًا غير مباشر. ومن الأساليب الذكيّة غير المباشرة أن يحاول جعل المخاطَب هو الذي يعبّر بنفسه عن المعنى، أو يُدْرِكُه بنفسه ولو لم يُعبِّر عنه بكلامه. والطريق السهل للوصول إلى هذه الغاية، أن يطرح على المخاطب جملةً استفهاميَّةً موجّهةً توجيهًا خاصًّا، إذ يحيطها بقرائن تجعله يدرك المعنى بنفسه، سواء عبّر عنه بالجواب أو لم يُعَبِّر. ولمّا كانت المعاني التي يمكن الإِشارة إليها من طرفٍ خفيّ كثيرة جدًّا، ويُمْكنُ استدعاؤها إلى الذهن عن طريق طرح السُّؤال الذي لا يُصَرَّحُ فيه بالمراد، كان من الأمر الطبيعيّ في الكلام أن يُصَاغ فيه جُمَلٌ استفهاميّة محفوفةٌ بقرائن الحال أو المقال، بغيَةَ استدراج المخاطَب لإدراكها، وقد يُصَرِّح في جوابه بما أدرك من معنى، أو يكتفي بإدراك المراد، ويعلم أن السؤال قد طُرِح لمجرّد إفهامه الغرض من السؤال. والمحققون من علماء البلاغة يَرَوْنَ أَنَّ معنى الاستفهام يبقَى ولكن ينضم إيه ما يُستفاد منه من المعاني التي يُدَلُّ بِه عليها. شرح المعاني التي يُدَلُّ عليها بالاستفهام مع الأمثلة: (1) شرح الاستفهام المستَعْمَل في الإِنْكار: ويُسَمَّى استفهامًا إنكاريًّا، ويُرادُ منه النفي، مع الإِنكار على المثْبِتِ كَيْفَ أَثْبَتَ مَا هو ظاهر النفي، وكانَ الواجبُ عليه أن يَنْفِي، أو مع الإِنكار على المخاطب قضيَّته، وهي باطلةٌ في تصوُّرِ مُوجِّه الاستفهام. وقد يأتي بعدُه الاستثناء كما يأتي بعد المنفي بأداةٍ من أدوات النفي، وقد يعطفُ عليه المنفي. وكثيرًا ما يصحبُه التكذيب، وهو في الماضي بمعنى "ما كان" وفي المستقبل بمعنى "لا يكون" وقد يُشْرَبُ الإِنكار معنى التوبيخ والتقريع. أمثلة: * قول الله -عزّ وجلّ-: {بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}. أي: لاَ يُهْلَكُ إِهلاكًا عامًّا شاملًا بعقوبةٍ دُنيويَّةٍ معجَّلةٍ إلاَّ الْقَوْمُ الفاسِقُون، من مستوى فسق الظلم الكبير فلا يكونون فاسقين إلاَّ وهُمْ ضالمون، وكذلك العكس، ولذلك جاء في الأنعام: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ}. * وقول الله -عزّ وجلّ- حكايةً لمقالة نوحٍ -عليه السلام- له: {قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ}. أي: لاَ يكونُ منّا إيمانٌ بكَ وَإِسْلامٌ لَكَ والحالُ أنَّه اتَّبَعك الأَرْذَلُون. * وقول الله -عزّ وجلّ- حكاية المقالة ثمود بشأن الرسول صالح -عليه السلام-: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُواْ أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ}. أي: لا نَتَّبِع بشرًا منَّا واحدًا لمجرّد ادّعائه أنّه رسولٌ من ربّه، إنَّنا إذا اتّبعناه كُنَّا إذًا في ظلالٍ في مسيرتنا وجنونٍ في عقولنا. * وقول الله -عزّ وجلّ-: {فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}. أي: لاَ أحد يحكم بالهداية لِمَنْ حَكَم الله عليهم بالضّلال، ومَا لهم من ناصرين ينصرونهم فيدفَعُون عنْهُمْ عذَابَ الله. فجاء في هذه الآية عطف الجملة المنفيّة على الاستفهام الإِنكاري، إذ معناه النفيُ. * وقول الله -عزّ وجلّ-: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلا?ئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}. أي: أفَآثَرَكم رَبُّكُمْ بِالبنين على نفسه...؟ والمعنى: ما فَعَلَ ذلك ولم يتّخذ من الملائكة إناثًا لنفسه. * وقولُ الله -عزّ وجلّ- حكايةً لمقالة هود -عليه السلام- لقومه: {قَالَ ياقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}. أي: لاَ نجْبرُكُمْ بِالإِكْرَاهِ على اتِّباعِ مَا جئتُكُمْ به، فاتّباع الدين لا يكن إلاَّ بإرادةٍ اختياريّة، إذْ لا إكْرَاهَ في الدين. * وقول امرىء القيس: أَيَقْتُلُنِي وَالْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَاب أغْوَال؟ (2) شرح الاستفهام المستعمل في التوبيخ والتقريع: ويسمَّى استفهامًا توبيخيًّا، أو تقريعيًّا. التقريع: توجيه اللّوم والعتاب الشديد الموجع، وأصْلُ الْقَرْعِ الضَّرْبُ. والاستفهام التوبيخي قد يُوجَّهُ للتوبيخ على فعل شيءٍ غير حَسَنٍ في نظر موجّه الاستفهام، أو تركِ فعْلٍ كانَ ينبغي القيامُ به في نظر موجّه الاستفهام. أمثلة: * قول موسى لأخيه هارون بشأن اتّخاذ قومه العجل، فيما حكاه الله -عزّ وجلّ-: {قَالَ ياهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}. فَمُوسَى -عليه السلام- يلوم أخاه بشدَّةٍ على أمْرٍ ظَنَّ أنَّهُ ارتكَبَهُ، وَهُو معصيةُ أَمْرِه، لكنَّ هارُونَ -عليه السلام- اجْتَهَد وَلَمْ يَعْصِ، والمعنى: مَا مَنَعَكَ عَنِ اتَباعي وحَمَلَكَ على ألاَّ تتَّبِعَني. * وقول إبراهيم -عليه السلام- لقومه بشأن أصنامهم التي يعبدونها، فيما حكاه الله -عزّ وجلّ-: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. فإبراهيم -عليه السلام- يوبّخهم على أنّهم يَعْبُدون أوثانًا ينحوتها بأيديهم، والله خلقهم وخلق أوثانهم التي يعبدونها، وهو الذي يجب أن تكون العبادة له وحده. * وقول الله -عزّ وجلّ- خطابًا لبني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}. الشاهد في الآية قوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} وفي: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} معنى التعجيب منْ فعلهم. * قول الله -عزّ وجلّ-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيرًا}. فالملائكة تُوبِّخُهُمْ وَتُقَرِّعُهُمْ لأنّهم لم يُهَاجروا من الأرضِ الّتي كانوا مستضعفين فيها، ورَضُوا بأن يكونوا ظالمي أنفسهم طاعةً للجبَّارين، من أنّ أرض الله واسعة، وكان بإمكانهم أن يهاجروا إلى أماكن لا يُكْرَهُونَ فيها على مَعْصِية الله. * قول العجّاج: أَطَرَيًا وَأَنْتَ قَيْسَرِيُّ والدَّهْرُ بِالإِنْسانِ دَوَّارِيُّ؟ الْقَيْسَرِيُّ: الشيخ الكبير، أي: أتطربُ وأنت شيخ كبير؟ ويُرْوى "قِنَّسْريُّ" كما في اللّسان. وهو الشيخ الكبير أيضًا.
(3) شرح الاستفهام المستعمل في التقرير: ويُسمَّى استفهامًا تقريريًّا، والمرادُ منه حَمْلُ المخاطَب على الإِقْرار والاعتراف بأمْرٍ قد استقرّ عنده العلْمُ به، أو هو أمْرٌ باستطاعته معرفته حِسِّيًّا أو فكْرِيًّا، موجبًا كان أو سالبًا. فمن ادَّعَى أنَّكَ جئْتَه وأنْتَ لم تأته، قد توجّه له استفهامًا تقريريًّا قائلًا: هَلْ أَنَا جئتك؟ ومتَى جئتُك؟ وَمَاذَا كَانَ حين الْتَقَيْتُكَ، لتنزعَ منْه الإِقرارَ والاعْتِرافَ بأنَّك لم تَأْتِهِ. ومن بَدا عليه أماراتُ إنكارِ أمْرٍ وقع، قَدْ توجِّه له استفهامًا تقريريًا، قائلًا: أَلَمْ يحدُثْ كذا؟ أَلَمْ أفعلْ كذا؟ ألَمْ يكُنْ منْكَ كذا وكذا؟ لِتَنْتَزعَ منه الإِقرار الاعتراف بالأمر الذي قد حدث ووقع فعلًا. أمثلة: * قول الله -عزّ وجلّ- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.* وقول الله له -صلى الله عليه وسلم-:rs/1713/74/00/84/avatars/133-88.gif" /> | |
|