تعريف بالشاعر
هو محمد إقبال ، شاعرهندي الأصل والجنس والمولد ، ولد في البنجاب عام 1877م
لقد أثر في حياته ثلاثة مؤثرات :
أولاً : القرآن الكريم ، حيث كان محمد إقبال يقرأ القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم ، ولا يختم المصحف كما قالوا عنه حتى يبله بالدموع .
لقد كان يتأثر تأثراً بالغاً من القرآن لأنه عرف مشارب الجاهلية ، وقرأ الفلسفة ، وقرأ العلوم الأخرى ، وسافر إلى الغرب وذهب وأتى .
الثاني : اطلاعه الواسع على مختلف الثقافات .
يقول عنه الدكتور الشرباصي : أظنه أنه ما وقع كتاب في يد محمد إقبال إلا التهمه كما يلتهم الطعام .
والرجل ذكي ذكاءً إبداعياً .
الثالث : خروجه إلى العالم بمختلف توجهاته ، حيث خرج أولاً من بومباي إلى قناة السويس ، ثم ذهب إلى أوربا واستقر في لندن فترة من الفترات ، ثم ذهب إلى ألمانيا فحضر رسالة الدكتوراه في الفلسفة ودرس هناك في الجامعة ثم عاد يطوي العالم ، فمر بالعالم العربي ، وكان عند تنقله يلقى ترحيباً واسعاً من العالم .
أما أحواله الشخصية :
فقد كان في معيشة متوسطة تميل إلى الفقر ، من أبوين متدينين .
تربيته :
دخل عليه أبوه وهو يقرأ القرآن بعد الفجر وهو يلاعب أخته الطفلة الصغيرة فقال : يا إقبال اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك.
قال : فأخذت بهذه الوصية ، وكنت أقرأ القرآن كأنه أنزل علي فتأثر بذلك .
يقول أحد المفسرين المعاصرين : كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني وربما توافقنا في الألفاظ .
زواجه :
تزوج ثلاث مرات : المرة الأولى لم يوفق فيها وأنجب من زوجته ولداً وطفلتين .
وتزوج الثانية ثم الثالثة .
كان يسكن بيتاً متواضعاً .
كانوا يقولون له : لماذا تسكن هذا البيت ؟
فيقول : أنا أسكن العالم .
وبالفعل كان يسكن العالم .
كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها ، فينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام ، وينظر وإذا المسلمون مستذلون بالاستعمار فيتضايق ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان .
عاش ثلاث فترات :
فترة الشباب قضاها في طلب العلم النافع وهو علم مجمل من علم الشريعة ، فليس الرجل مفتياً وليس واعظاً ، وإنما كان عنده علم مجمل ، ونخالفه كطلبة العلم ويخالفه العلماء في الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرض لها .
وأنا لا أعرض محمد إقبال على أنه مفتِ أو أنه من هيئة كبار العلماء ، بل أعرضه عليكم كشاعر عالمي استطاع أن يؤثر بشعره الإسلامي الحي .
أما الفترة الثانية فهي فترة الرجولة حيث عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته .
ولذلك هو الذي كان بعد الله سبباً في إقامة دولة الباكستان ، وأهل الباكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال ـ على ملاحظتنا لهذا ـ يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع يحملون صور محمد إقبال ويهتفون :
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جــــعل الفناء لها قرينـا
وأما فترة الشيخوخة فقضاها متأملاً حيث كان يصعد الجبال ويكتب .
يقول الباكستانيون : نحن لا نفهم شعره ، ولكن شعره مترجم ، وربما تكلم بالعربية في بعض القصائد فحرك الأجيال .
يقولون : كان يكتب قصيدة في الليل فتنشر في الصحيفة في اليوم التالي كما يذكر الشرباصي وغيره ، فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع .
وهذا و الله هو الأدب .
وهذا والله هو السحر الحلال .
وهذا والله هو الفيتامين الأمثل للشعوب .
ولذلك ثار الشعب على الإنجليز وأقاموا دولتهم برغم المعارضات .
أولاً : الإيمان في شعر محمد إقبال
قال تعالى إن الذين اءمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) ( مريم:96) ، الإيمان الذي يصل بالله .
الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا .
الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء ، ومن فقده فقد كل شيء .
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلــــــبي وهذا ما أراه
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركــب تحدوه خطاه
يقول إقبال في بيتين جميلين من قصيدته العجيبة الطويلة ( شكوى دمعة ) أرسلها من عينه يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي .
ويشكو من المسلمين بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم ، وبين لهم أن اتصال الإيمان بالدنيا أمر مجمع عليه ،وأن الإنسان لا يصلح إلا بالآخرة ، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة ، والمزرعة مع المسجد .
يقول :
إذا الإيــمان ضاع فلا أمان و لا دنيا لــمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعــــل الفناء لها قرينـا
تـساندت الكواكب فاستقرت ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا
وفـــي التـوحيد للـهمّ اتحاد ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا
ويقول عن المؤمن والكافر بأن الكافر ضيق ومتخلف وحقير في علم الله وفي الأرض وفي الكون.
ويأتي المؤمن فيجعله علماً وكوناً .
يقول في بيتين جميلين :
إنما الكافـر تـيـهان له الآفـاق تـيهِ وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه
يقول : إن الكافر لا تتيه الآفاق فيه بل يتيه هو في الآفاق.
وأرى المؤمن هو الذي تتيه الآفاق فيه .
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها ( إلى مدينتك يا رسول الله ).
وهي قصيدة قد ترجمها الندوي .
يقول : ( يا رسول الله زرتك البارحة في المنام ... إليك أشكو ظلم الهنود ... وأشكو ماذا فعلوا برسالتك .. إنهم يا رسول الله حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات .. إن رسالتك يا رسول الله انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي .. لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله ) .
ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبّة وذهابها إلى العراق ، ثم إلى الأتراك ، ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا .
من ثراها قد نثرنا النور في دنيا الوجود وعلى أهدابها صــــغنا مغانِ من خلود
حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق وسل الأتراك قد ســــار سريعاً للهنود